«نيويورك تايمز»: واشنطن تنجح في تمرير قرار أممي لا يدين روسيا في الحرب
في مواجهة دبلوماسية داخل الأمم المتحدة بشأن أوكرانيا
شهدت الأمم المتحدة، الاثنين، مواجهة دبلوماسية حادة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في أوروبا، حيث عارضت واشنطن مساعي لإدانة العدوان الروسي على أوكرانيا والمطالبة بانسحاب القوات الروسية فورًا.
كشف هذا الانقسام العلني عن تباين كبير في المواقف بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، في تحول غير معتاد ضمن التحالفات الغربية التقليدية.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" رفضت الولايات المتحدة دعم قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو روسيا إلى الانسحاب الفوري من أوكرانيا، لكنها نجحت في تمرير قرارها الخاص في مجلس الأمن، والذي دعا إلى تحقيق السلام دون الإشارة إلى روسيا كطرف معتدٍ، وعلى الرغم من أن قرارات مجلس الأمن تحمل طابعًا قانونيًا ملزمًا، فإن العديد منها يُنتهك باستمرار، ما يثير التساؤلات حول مدى فاعليتها.
تحول في السياسة الأمريكية
أظهر هذا التصويت تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية، خاصة مع حلول الذكرى الثالثة للغزو الروسي الشامل، عادة ما كانت واشنطن تقف إلى جانب حلفائها الأوروبيين في القضايا المتعلقة بالأمن الأوروبي، لكن موقفها الجديد عزز المخاوف بشأن استراتيجيتها المستقبلية تجاه الحرب في أوكرانيا.
وأكدت القائمة بالأعمال الأمريكية في الأمم المتحدة، دوروثي كميل شيا، أن القرار الذي تبنته واشنطن "يمهد الطريق للسلام"، مضيفة أن الهدف الآن هو "البناء على هذا القرار لإرساء مستقبل سلمي لكل من أوكرانيا وروسيا والمجتمع الدولي"، لكن هذا الطرح واجه انتقادات من الحلفاء الأوروبيين، الذين رأوا في الخطوة الأمريكية محاولة لتجنب المواجهة مع موسكو.
وأعربت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، عن رفض بلادها للقرار الأمريكي، مؤكدة أن "شروط السلام يجب أن ترسل رسالة واضحة بأن العدوان لا يمكن أن يمر دون ثمن".
وأضافت أن أي حل سياسي يجب أن يعكس حقيقة أن روسيا هي الطرف المعتدي، وليس مجرد طرف في نزاع متكافئ.
محاولات لتعديل القرار الأمريكي
بدأت المواجهة داخل الأمم المتحدة عندما قدمت أوكرانيا مشروع قرار مؤلفًا من ثلاث صفحات، يدعو إلى انسحاب روسيا الفوري، وتحقيق "سلام شامل وعادل ودائم"، بالإضافة إلى تحميل موسكو المسؤولية عن جرائم الحرب.
وأفاد دبلوماسيون غربيون ومسؤول رفيع في الأمم المتحدة بأن إدارة ترامب سعت الأسبوع الماضي لإقناع أوكرانيا بسحب قرارها، وعندما فشلت، حاولت التفاوض مع الحلفاء الأوروبيين حول نص مشترك.
لكن مساء الجمعة، أعلنت الولايات المتحدة لحلفائها الأوروبيين أنها ستقدم مشروع قرار خاصًا بها، وهو ما اعتبره الأوروبيون تخليًا أمريكيًا عن التنسيق المشترك، جاء ذلك بعد أيام فقط من تصريحات الرئيس ترامب، التي وصف فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"الديكتاتور"، وزعم زورًا أن أوكرانيا بدأت الحرب.
التصويت يكشف الخلافات
عند التصويت على مشروعي القرار في الجمعية العامة، حصد القرار الأوكراني تأييد 93 دولة مقابل 18 دولة معارضة، فيما امتنعت 65 دولة عن التصويت، ومن بين الدول التي صوتت ضد القرار الأوكراني: روسيا، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والمجر، وهايتي، ونيكاراغوا، والنيجر.
وصف نائب وزير الخارجية الأوكراني، ماريانا بيتسا، التصويت بأنه "لحظة تاريخية" تحدد مستقبل أوكرانيا والعالم الحر، أما المندوبة الأمريكية، دوروثي كميل شيا، فدافعت عن موقف بلادها، مشيرة إلى أن قرارات الأمم المتحدة السابقة لم تنجح في إيقاف الحرب، التي حصدت أرواح مئات الآلاف.
وعندما طُرح القرار الأمريكي للتصويت، نجحت الدول الأوروبية في إدخال تعديلات عليه عبر ثلاثة تعديلات صريحة تدين العدوان الروسي وتصفه بالغزو.
صوتت الجمعية العامة على النسخة المعدلة، فتم تمريرها بأغلبية 93 صوتًا مقابل 8 أصوات معارضة، وامتناع 73 دولة عن التصويت، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرارها المعدل.
مجلس الأمن يمنح القرار الأمريكي الشرعية
بعد ساعات، انتقلت المواجهة إلى مجلس الأمن، حيث سعت إدارة ترامب مرة أخرى لتمرير قرارها دون تحميل روسيا مسؤولية النزاع، حاول الحلفاء الأوروبيون تأجيل التصويت، ثم سعوا إلى إدخال تعديلات مشابهة لما حدث في الجمعية العامة، لكن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) لإحباط تلك المحاولات.
في النهاية، تم التصويت على القرار الأمريكي بصيغته الأصلية، فتمت الموافقة عليه بأغلبية 10 أصوات مقابل 5 امتناعات، دون أن تستخدم بريطانيا أو فرنسا حق الفيتو، بل فضّلتا الامتناع.
وأكد السفير الفرنسي نيكولا دي ريفيير أن بلاده تدعم السلام العادل وليس "استسلام الضحية"، مضيفًا أن "السلام والأمن الدوليين لن يتحققا إذا كان المعتدون يكافَؤُون، وإذا كان القانون الدولي يُستبدل بشريعة الغاب".
ومن جانبه، أشار ريتشارد غوان، مدير قسم الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا يعد الأبرز منذ حرب العراق، لكنه أكثر تأثيرًا لأنه يتعلق بأمن أوروبا ذاته.
وأضاف: "الدبلوماسيون الأوروبيون غاضبون من الأسلوب الأمريكي في التعامل مع الأزمة، فقد حاولت أوكرانيا والاتحاد الأوروبي إبقاء واشنطن في دائرة التنسيق، لكن التحرك الأمريكي المباغت ترك الأوروبيين في موقف ضعيف".
مستقبل غير واضح للتحالفات
أظهرت هذه المواجهة مدى التباعد المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في ما يخص الأزمة الأوكرانية، ومع استمرار النزاع.
بات واضحًا أن وحدة الصف الغربي التي سادت منذ بداية الحرب قد تعرضت لتصدعات كبيرة، ما قد يؤثر على استراتيجيات التعامل مع روسيا في المستقبل القريب.